dimanche 14 septembre 2014

الإرهاب من اختراق الجماعات إلى اختراق الدول

لقد أثبتت الحرب الأمريكية على الإرهاب (في أفغانستان) عقمها و محدوديتها في القضاء على الظاهرة الإرهابية, فبالرغم من تسخير كل ما للغرب من عدة و عتاد إلا أنه فشل في القضاء على الإرهاب بما أن هذا الأخير زاد قوة بعد 2001 و اكتسب مواطئ قدم جديدة و متعاطفين حتى من الداخل الأمريكي و لا ينبغي للو م أ أن تتبجح بالقول أنها قتلت أسامة بن لادن  لأن فكر بن لادن انتصر في الأخير و انتشر. بالمقابل لقد بينت التجربة الجزائرية في محاربة الإرهاب مقدرتها على معالجة الظاهرة من جذورها رغم الحصار الذي فرضته آنذاك القوى الغربية على شراء الأسلحة, فكيف نجحت الجزائر فيما فشل فيه الغرب بالرغم من أن قوة الغرب بالنسبة لقوة القاعدة تساوي عشرات المرات قوة الجيش الجزائري في التسعينيات مقابل الجماعات المسلحة المتصاعدة آنذاك؟

https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEh0teeuiSVVbfuGRF6CI4ZMb-B_lcppEaPOuFcfirf-Zw-8D0Ni-P8pRz4Zp893jqxdYNyq8dyDwUnJZButws0SmNt7zMn6eqbBEf3bB-CCuIPZ-aZZRk1nxSBdLoULD-4JUcIGB45GCgw/s1600/%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4.jpg 
بالعودة إلى كرونولوجيا الصراع بين الإسلاميين و الدولة في الجزائر نجد أن هذه الأخيرة اعتمدت في مقاربتها لعلاج الإرهاب المتنامي في أواخر القرن الماضي على مجموعة من أنماط التعامل مع الظاهرة تختلف جذريا عن المقاربة الغربية, فلقد أثبتت الدراسات المحلية أن الإرهاب في ذاته متعدد الأوجه كما متعدد الأسباب فليس المؤمن بالإرهاب منهجا كمن لجأ إليه انتقما, و ليس الإرهابي ابن الوطن كالأجنبي, ولهذا نرى النظام في الجزائر يتبنى قانون الرحمة ثم قانون الوئام المدني فالمصالحة الوطنية بالموازاة مع تطوير الخطاب الديني و التوعوي و المساعدة على إعادة إدماج (التائبين) في المجتمع, عكس المقاربة الأمريكية المبنية أساسا على القوة التدميرية للجيوش, و لم تكن للمقاربة الجزائرية أن تنجح لولا السيطرة على مفاتيح الصراع من طرف الدولة, فلم يلجأ صانع القرار آنذاك لا إلى الشرق و لا إلى الغرب في البحث عن الوسائل و البدائل للخروج من الأزمة فكان الصراع جزائري جزائري, و كان الحل جزائري خالصا كذلك.
بالمقابل نجد أن التنظيمات الجهادية في كل من العراق و سوريا و ليبيا يرتبط كل منها بطرف خارجي, فهذا قطري الهوى و آخر سعودي المشرب, و هذا تمن عليه أنقرة و ذاك تمن عليه باريس, فلم يعد الصراع سوريا سوريا, و لا عراقيا عراقيا, و لا ليبيا ليبيا, إنما أضحى صراعا قطريا سعوديا, تركيا فرنسيا....على أرض تلك الدولة أو تلك. و بالرغم من هذا كله فإن قواعد اللعبة ذاتها لم تتغير كما في الحالة الجزائرية, و لن يهزم الإرهاب إلا بالمصالحات.
بالبناء على ما سبق يمكن القول بإمكانية القضاء على الظاهرة الإرهابية المتنامية في العديد من الأقطار العربية بالعمل على اختراق الوضع الراهن بطرح مصالحاتي إقليمي أو حتى دولي, يجمع حول طاولة المفاوضات أصحاب الصراع الحقيقيين من الفاعلين من الدرجة الأولى كروسيا و الو م أ, و الدرجة الثانية كتركيا و السعودية و قطر و فرنسا, بالإضافة إلى أصحاب الدار من ليبيين أو سوريين أو عراقيين حسب بؤرة الصراع.
بالعودة إلى واقع الحال نجد أن طرحا مصالحاتيا من هذا القبيل لن يجد له موطئا في زخم الأحداث و تسارعها إلا بإحدى اثنتين:
-          تفاهم روسي أمريكي يكون مضلة لباقي الفاعلين من الدرجة الثانية أو ما أسميه بالاختراق الفوقي أو,
-          دخول طرف ثالث في معادلة الصراع يحضى بالثقة من الجميع و يرتبط بعلاقات تمكنه من لعب الدور أو ما أسميه بالاختراق التحتي.
بالنظر إلى مسار الأحداث في كل من بؤر الصراع, بالإضافة إلى الأزمة في أوكرانيا و التي تمثل مسألة حياة أو موت بالنسبة لروسيا فإن فرص نجاح التفاهم الروسي الأمريكي تبدو ضئيلة جدا في الوقت الراهن, بالمقابل تبدو فرص نجاح الاختراق التحتي واضحة خاصة في الملف الليبي, أين تعمل العديد من الأطراف للدفع بالجزائر للعب دور الوسيط بعد النجاح الذي حققته هذه الأخيرة في التقريب بين الأطراف السياسية في تونس و الجمع بين مختلف الفصائل المسلحة في مالي.
قد يبدو الطرح مثاليا و لا يجد له سند في الوقت الراهن, إلا أن المتتبع لتسارع الأحداث من انتحار الشاب البوعزيزي إلى سقوط مبارك فانفجار الوضع في سوريا و ظهور تنظيمات على شاكلة داعش و أخواتها تهدد الشرق و الغرب في زمن لا يتعدى ثلاث سنوات, يدرك أنه في بضعة شهور أخرى سيتغير الكثير و سيصبح أعداء اليوم حلفاء الغد, و يصبح قائد ميليشيا اليوم زعيم وطني في الغد, و إنما حروب اليوم حروب أفكار لا حروب جيوش و لن يكون البقاء إلا للأقوى صناعة للأفكار و الأذكى دفاعا عنها.